عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٣

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]

عمدة الحفّاظ في تفسير أشرف الألفاظ - ج ٣

المؤلف:

الشيخ أحمد بن يوسف [ السمين الحلبي ]


المحقق: الدكتور محمّد التونجي
الموضوع : القرآن وعلومه
الناشر: عالم الكتب
الطبعة: ١
الصفحات: ٥٢٥

العريان (١) قال يعقوب (٢) : هو رجل من خثعم حمل عليه عوف بن عامر يوم ذي الخلصة فقطع يده ويد امرأته ، فصار مثلا في النّذارة. وقيل : خصّ العريان لأنه أبين له في العين ، يعني من غير لبس. واعروريت (٣) الفرس : ركبته عريا.

فصل العين والزاي

ع ز ب :

قوله تعالى : (وَما يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقالِ ذَرَّةٍ)(٤) أي لا يبعد عن علمه ولا يغيب ، من قولهم : روض عازب ، أي بعيد. يقال : عزب يعزب. ويعزب بالضم والكسر ، وقرىء بهما. ورجل عزب ، أي بعيد عن النساء ، وامرأة عزبة. ولا يقال : عازب وعازبة في المشهور. وفي الحديث : «من قرأ القرآن أربعين ليلة فقد عزب» (٥) أي بعد عهده بما ابتدأ منه وأبطأ في تلاوته. وفي الحديث : «أصبحنا بأرض عزيبة» (٦) أي بعيدة العشب والكلأ. والمال عازب وعاهن ؛ فالعازب : الغائب ، والعاهن : الحاضر.

ع ز ر :

قوله تعالى : (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ)(٧) و (وَتُعَزِّرُوهُ)(٨) أي نصرتموهم. قال الزجاج : العزر في اللغة : الرّدّ. وتأويل عزرت فلانا ، أي أدّبته ، أي يغلب به ما يردعه عن القبيح كما تقول : نكلت به ، أي فعلت به ما يجب أن ينكل معه عن المعاودة. قال قتادة : تأويل (وَعَزَّرْتُمُوهُمْ) أي نصرتموهم بأن تردّوا عنهم أعداءهم. وقال غيره : (تُعَزِّرُوهُ) تنصروه

__________________

(١) النهاية : ٣ / ٢٢٥.

(٢) نقلا عن ابن السكّيت.

(٣) الفعل اعرورى لازم ومتعد. والفرس المعرور : لا سرج عليه ولا غيره.

(٤) ٦١ / يونس : ١٠.

(٥) النهاية : ٣ / ٢٢٧. وفي المفردات : « .. أربعين يوما».

(٦) الحديث : «أنه بعث بعثا فأصبحوا بأرض عزوبة بجراء» كما في النهاية : ٣ / ٢٢٧. وفي م «عزيبة صحراء».

(٧) ١٢ / المائدة : ٥.

(٨) ٩ / الفتح : ٤٨.

٨١

مرة أخرى ، كأنه أخذ التكرير من بنية فعّل. وفي التفسير : تنصروه بالسيف. وقال ابن عرفة : ولذلك سمي الضرب دون الحدّ تعزيرا لأنه منع للجاني أن يعاود. وقال الراغب (١) : التّعزير : النّصرة مع التعظيم. والتعزير دون الحدّ ، ولذلك يرجع إلى الأول ؛ فإن ذلك تأديب. والتأديب : نصرة بقهر ما ، لكن الأول نصرة بقمع العدوّ عنه. والثاني نصرة بقهر عن عدوّ ، فإنّ أفعال الشرّ عدوّ للإنسان فمتى قمعته عنها نصرته. ومن ثمّ قال عليه الصلاة والسّلام : «انصر أخاك ظالما أو مظلوما. قال : أنصره مظلوما فكيف أنصره ظالما؟ قال : تكفّه عن الظّلم» (٢). ويقال : عزرته مخففا أيضا. وأنشد للقطامي (٣) : [من الطويل]

ألا بكرت سلمى بغير سفاهة

تعنّفني والمرء ينفعه العزر

فالعزر مصدر عزرت مخففا ، كما أنّ التّعزير مصدر عزّرت ، مثقّلا. وقال بعضهم : التعزير في كلام العرب : التوقيف على الفرائض والأحكام. قال الهرويّ : وفي حديث سعد : «أصبحت بنو أسد تعزّرني على الإسلام» (٤) أي توقّفني عليه.

وعزير : اسم نبيّ ، قيل : أصله عزر فصغّر ترخيما ، وقرىء منونا وغير منون. ولنا فيه كلام أتقنّاه في قوله تعالى : (وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ)(٥).

ع ز ز :

قوله تعالى : (وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(٦) العزيز : الغالب الممتنع على من يريده بالقهر والغلبة ، والباري تعالى أغلب الغالبين. قال تعالى : (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ)(٧). فقوله تعالى : (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ)(٨) أي غلبني : وقيل : صار أعزّمني في المخاطبة

__________________

(١) المفردات : ٣٣٣.

(٢) صحيح البخاري ، المظالم : ٤.

(٣) الديوان : ١٢٤ ، مطلع للقصيدة. وفيه :

ألا بكرت ميّ بغير سفاهة

تعاتب والمودود ينفعه العزر

(٤) النهاية : ٣ / ٢٢٨ ، أي توبّخني.

(٥) ٣٠ / التوبة : ٩.

(٦) ٢٢٨ / البقرة : ٢ ، وغيرها.

(٧) ٢١ / يوسف : ١٢.

(٨) ٢٣ / ص : ٣٨.

٨٢

والمحاجّة. ومنه قوله تعالى : (فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ)(١) أي في مغالبة ومنعة. قوله تعالى : (أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ)(٢) أي المنعة وشدة الغلبة. قوله : (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ)(٣) أي الامتناع والغلبة. قوله : (يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ)(٤) سمّوه عزيزا لامتناعه وشدّته لأن هذه صفة الملوك. وعزّ يعزّ عزا بكسر العين إذا صار عزيزا. ويعزّ ـ بفتحها ـ إذا اشتدّ ؛ يقال : يعزّ عليّ أن أراك بحال سيئة ، أي يشتدّ. ويقال للعليل إذا اشتدت به العلة : قد استعزّته. وقيل : العزّة (٥) : حالة مانعة للإنسان من أن يغلب ، من قولهم : أرض عزاز ، أي صلبة. وتعزّز اللحم : اشتدّ وعزّ كأنه حصل في عزاز يصعب الوصول إليه ، كقولهم : تظلّف ، أي حصل في ظلف من الأرض. والعزيز الذي يقهر ولا يقهر. قال تعالى : (إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(٦)(وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)(٧).

والعزّة قد يمدح بها تارة ويذمّ بها تارة ، [قال تعالى :](٨)(بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ). قال بعضهم : ووجه ذلك أن العزة لله سبحانه وتعالى ولرسوله وللمؤمنين هي الدائمة الباقية وهي العزة الحقيقية. والعزة التي للكافر هي التعزّز. وهي في الحقيقة ذلّ ، ولهذا قال عليه الصلاة والسّلام : «كلّ عزّ ليس بالله فهو ذلّ» (٩). قوله تعالى : (لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا)(١٠) أي ليمتنعوا بهم من العذاب. قوله : (مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً)(١١) معناه : من كان يريد أن يعزّ فإنه يحتاج أن يكتسب من الله [العزّة](١٢) فإنها له. وقد تستعار

__________________

(١) ٢ / ص : ٣٨.

(٢) ١٣٩ / النساء : ٤.

(٣) ٢٠٦ / البقرة : ٢.

(٤) ٧٨ / يوسف : ١٢ ، وغيرها.

(٥) في الأصل : العز ، ولعلها كما ذكرنا.

(٦) ٢٦ / العنكبوت : ٢٩.

(٧) ٨ / المنافقون : ٦٣.

(٨) إضافة المحقق.

(٩) مذكور في المفردات.

(١٠) ٨١ / مريم : ١٩.

(١١) ١٠ / فاطر : ٣٥.

(١٢) إضافة المحقق.

٨٣

للحمية والأنفة المذمومة ، وذلك في قوله : (أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ). وقد تستعار العزة للصعوبة. ومنه قوله تعالى : (عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ)(١) أي صعب عليه مشقّتكم. وقيل : من عزّ بزّ. أي من غلب سلب. وعزّ المطر الأرض : صلّبها. وقد تستعار العزة للقلة اعتبارا بما قيل : كلّ موجود ملول وكلّ مفقود مطلوب.

واستعزّ فلان : إذا غلب بمرض أو موت. قوله : (وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ)(٢) أي يصعب وجود مثله. وفي الحديث : «فاستعزّ برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم» (٣) أي اشتدّ به المرض وأشرف على الموت. وفلان معزاز المرض ، أي شديده. وقال ابن عمر لجماعة اشتركوا في قتل صيد : «إنكم لمعزّز بكم» (٤) أي مشدد بكم. وكانوا قالوا : على كلّ منا جزاء ، فأفتاهم بجزاء واحد. قوله تعالى : (فَعَزَّزْنا بِثالِثٍ)(٥) أي قوّينا. وقرىء مخففا ومشدّدا (٦) وفي التشديد مبالغة ، يقال عزّزته وعززته : قوّيته وشدّدته. وفي كتابه عليه الصلاة والسّلام لقوم : «وأنّ لهم عزازها» (٧) أي ما اشتدّ وصلب من الأرض ، وذلك يكون في أطراف الأرض.

ومن ظريف ما يحكى أنّ الزّهريّ قال : كنت أختلف إلى أبي عبيد الله بن عتبة بن مسعود فكنت أخدمه. وذكر جهده في الخدمة ، فقدّرت أني استنظفت ما عنده ، فلما خرج لم أقم له ولم أظهر من تكرمته ما كنت أظهره من قبل. قال : فنظر إليّ فقال : «إنّك في العزاز ـ أي أنت في الأطراف من العلم لم تتوسّطه بعد ـ فقم» (٨). قوله : (أَعِزَّةٍ) أي أشداء (عَلَى الْكافِرِينَ)(٩) كما صرّح بهذا الوصف عينه نفسه في موضع ، وقال : (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) وقال : (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ)(١٠). فما أحلى تفنّن القرآن وانتقال أساليبه! قوله :

__________________

(١) ١٢٨ / التوبة : ٩.

(٢) ٤١ / فصلت : ٤١.

(٣) النهاية : ٣ / ٢٢٨ ، في حديث مرضه.

(٤) النهاية : ٣ / ٢٢٨.

(٥) ١٤ / يس : ٣٦.

(٦) قرأ عاصم بالتخفيف وحفص بالتشديد (معاني القرآن : ٢ / ٣٧٤ وحاشيته).

(٧) النهاية : ٣ / ٢٢٩ ، من كتابه لوفد همدان.

(٨) النهاية : ٣ / ٢٢٩.

(٩) ٥٤ / المائدة : ٥.

(١٠) ٢٩ / الفتح : ٤٨.

٨٤

(ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ)(١) من باب التهكّم ، أي أنت الهين الذليل. وقيل : العزيز عند نفسك هين عندنا. وفي التفسير : «إنّ أبا جهل رآه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم فقال له : أولى لك. فقال : إني لكذا وكذا وإني العزيز» ، فنزلت قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى)(٢) اسم صنم ، وكذا اللات اشتقّوها من لفظ العزّ. وقال قائل يوم بدر : إنّ لنا العزّى ولا عزّى لكم ، فقال عليه الصلاة والسّلام : «أجيبوهم : الله مولانا ولا مولى لكم» (٣). فأنزل الله تعالى ذلك (بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ)(٤). وهذه هي التي بعث رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم خالدين الوليد فقطعها فخرجت منها شيطانة ناشرة شعرها ، وكان يرتجز (٥) :

ع ز ل :

قوله تعالى : (وَإِنْ لَمْ تُؤْمِنُوا لِي فَاعْتَزِلُونِ)(٦) أي تنحّوا عني واتركوني. وقال ابن عرفة : أي فدعوني كفافا لا عليّ ولا لي. ولا يفهم هذا المعنى من هذا اللفظ. وأصل الاعتزال تجنب الشيء بأمارة وولاية أو غيرهما. وتارة يكون في الظاهر كالاعتزال بالبدن ، وتارة في الباطن كالاعتزال في الاعتقاد ؛ قوله : (وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَما يَعْبُدُونَ)(٧) / فهذا من الظاهر بالبدن لأنهم فرّوا منهم. وقيل : بالقلب. يعني : إذا خالفتموهم في معتقدهم فانجوا إلى غار تعبدون الله فيه. ويقال : عزلته واعتزلته وتعزّلته فاعتزل ؛ وأنشد للأحوص (٨) : [من الكامل]

__________________

(١) ٤٩ / الدخان : ٤٤.

(٢) ١٩ / النجم : ٥٣.

(٣) صحيح البخاري ، الجهاد : ١٦٤ ، المغازي : ١٧.

(٤) ١١ / محمد : ٤٧.

(٥) يقول (اللسان ـ عزز) وساقط من الأصل :

يا عزّ ، كفرانك لا سبحانك!

أني رأيت الله قد أهانك!

(٦) ٢١ / الدخان : ٤٤.

(٧) ١٦ / الكهف : ١٨.

(٨) الأغاني : ٢١ / ٩٥ ، والأول مذكور في اللسان ـ مادة عزل.

٨٥

يا بيت عاتكة الذي أتعزّل

حذر العدى وبه الفؤاد موكّل

إني لأمنحك الصّدود وإنني

قسما إليك مع الصّدود لأميل

قوله : (وَكانَ فِي مَعْزِلٍ)(١) أي في مكان معتزل عن أبيه. وقيل : في معزل بقلبه ، أي في جانب عن دين أبيه. قال الهرويّ : وقيل : في السفينة ، وفيه غرابة شديدة لقوله : (ارْكَبْ مَعَنا)(٢) ، ولقوله : (سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ)(٣). ويبعد أن يكون هذان القولان صدرا منه في السفينة وخرج منها حتى غرق. وقيل : وقد يكون العزل بمعنى المنع ؛ قال تعالى : (إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ)(٤) أي ممنوعون بعد أن كانوا يمكنون من ذلك. والأعزل : الذي لا رمح له. ومن الدوابّ ما يميل ذنبه ، ومن السحاب ما لا مطر معه. والسّماك الأعزل : نجم لتصوّره بخلاف نجم آخر يقال له : السّماك الرامح ، تصوّرا بصورة من أمامه رمح ، وإياهما قصد أبو العلاء المعري في قوله : [من الكامل]

سكن السماكان السماء كلاهما :

هذا له رمح وهذا أعزل

والجمع عزل. قال الشاعر (٥) : [من الطويل]

ألكني إلى قومي العداة رسالة

بآية ما كانوا ضعافا ولا عزلا

وأعزال أيضا. قال الفند الزّمّانيّ (٦) : [من الهزج]

رأيت الفتية الأعزا

ل مثل الأينق الرّعل

قيل : وهو الصحيح ، إنّ الأعزال جمع عزل بزنة عنق. ومنه الحديث : «رآني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم بالحديبية عزلا» (٧) وذلك نحو ناقة غلظ وجمل فنق (٨) ، والجمع أغلاظ وأفناق ، وماء

__________________

(١) ٤ / هود : ١١.

(٢) من الآية السابقة.

(٣) ٤٣ / هود : ١١.

(٤) ٢١٢ / الشعراء : ٢٦.

(٥) البيت لعمرو بن شأس (الديوان : ٩٠). وفيه : قومي السّلام.

(٦) البيت في اللسان (مادة عزل) من غير عزو. وهو شهل بن شيبان من شعراء الجاهلية.

(٧) الحديث لسلمة. وعزلا : ليس معه سلاح (النهاية : ٣ / ٢٣٠). وفي الأصل : رأى.

(٨) جمل فنق : الفتيّ اللحيم السمين.

٨٦

سدم ومياه أسدام ، وجنب وأجناب. وفي الحديث : «دفاق العزائل جمّ البعاق» (١). العزائل أصلها العزالي. قيل : والعزالي جمع عزلاء ، والعزلاء : فم المزادة الأسفل ؛ شبّه اتساع المطر بالذي يخرج من فم المزادة. وأنشد لقيس بن ذريح (٢) : [من الطويل]

سقاها من الوسماء كلّ مجلجل

سكوب العزالي صادق البرق والرعد

فقلبت الكلمة (٣) كقوله : عاقني يعوقني ، وعقاني يعقوني ، فهو عائق وعاق. والقلب كثير في كلامهم حتى زعم بعضهم أنّ منه قوله : (شَفا جُرُفٍ هارٍ)(٤) أي هائر. وسيأتي إن شاء الله تعالى.

ع ز م :

قوله تعالى : (فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ)(٥). العزم والعزيمة : عقد القلب على إمضاء الأمر. ويتعدّى بنفسه وبعلى ؛ يقال : عزمت الأمر وعليه. وقال تعالى : (وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ)(٦). قوله تعالى : (وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْماً)(٧) وقال قتادة : صبرا. وقال غيره : حزما ، وهذه غلطة. والأولى في تفسيرها : ولم نجد له تصميما على ما همّ به. وقال شمر : العزم والعزيمة : ما عقد عليه قلبك من أمر أنك فاعله. يقال : عزمت عليك ، أي أمرتك أمرا جدّا. قوله : (فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ)(٨) من أحسن المجاز أنه جعل للأمر عزما. والعزائم : الفرائض ، تقابل الرّخص. ومنه الحديث : «إنّ الله يحبّ أن تؤتى رخصه كما يحبّ أن تؤتى

__________________

(١) صدر بيت من حديث الاستسقاء ، ورد في النهاية : ٣ / ٢٣١ ، واللسان ـ مادة عزل. وفي حاشية اللسان نقلا عن حاشية نسخة مخطوطة من النهاية جاء عجزه :

أغاث به الله عليا مضر

(٢) يبدو أن البيت ليس لقيس ، فلا هو في الديوان ولا في المظان الأخرى.

(٣) أراد الإبدال المكاني بين الياء واللام في العزائل والعزالي.

(٤) ١٠٩ / التوبة : ٩.

(٥) ١٥٩ / آل عمران : ٣.

(٦) ٢٣٥ / البقرة : ٢.

(٧) ١١٥ / طه : ٢٠.

(٨) ٢١ / محمد : ٤٧.

٨٧

عزائمه (١). وفي حديث آخر : «خير الأمور عوازمها» (٢) قيل : فرائضها. وقيل : ما وكّدت رأيك وعزمت عليه. «وقال صلى‌الله‌عليه‌وسلم لأبي بكر رضي الله عنه : متى توتر؟ قال : من أول الليل. وقال لعمر : متى توتر؟ قال : من آخر الليل. فقال لأبي بكر : أخذت بالحزم ، ولعمر : أخذت بالعزم» (٣) أي احتطت أنت ووثقت أنت. والعزم أيضا على الشيء الصبر عليه ، قال تعالى : (فَاصْبِرْ كَما صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ)(٤). قيل : كلّ رسول من أولي العزم ، ف من للبيان. وقيل : هم خمسة : نبيّنا صلى‌الله‌عليه‌وسلم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى ؛ ف من للتّبعيض. وفي المثل : «لا خير في عزم بغير حزم». يريدون أنّ القوة إذا لم يكن معها حذر ورّطت صاحبها. وقال بعضهم : الحزم : التأهب للأمر ، والعزم : النفاذ فيه. واعتزم الأمر : مضى. ويحكى أنّ الأشعث قال لعمرو بن معدي كرب : «أما والله لئن دنوت مني لأضرّطنّك. فقال عمرو : كلّا والله إنها لعزوم مفزّعة» (٥). قال شمر : العزوم : الصّبور الصحيحة العقد. قال : والدّبر يكنى عنها بأمّ عزمة. أراد أنّ لها عزما وليست بواهية فتضرط (٦). ومعنى مفزّعة أنها تنزل بها الأقزاع فتجليها. وقال عليه الصلاة والسّلام : «يا أنجشة رويدا سوقك بالعوازم» (٧). والعوازيم جمع عوزم (٨) وهي الناقة المسنّة.

ع ز و :

قوله تعالى : (وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ)(٩)(عِزِينَ)(١٠) أي حلقا حلقا وجماعة جماعة ؛ الواحدة عزة ، وأصلها عزوة فحذفت اللام ، وجمع جمع سلامة جبرا لها نحو سنين (١١) ، وهي

__________________

(١) النهاية : ٣ / ٢٣٢.

(٢) النهاية : ٣ / ٢٣١.

(٣) النهاية : ٣ / ٢٣٢.

(٤) ٣٥ / الأحقاف : ٤٦.

(٥) النهاية : ٣ / ٢٣٢.

(٦) بياض في الأصل ، ومذكورة في م. يؤيدها ما في النهاية. والكلام شرح للحديث.

(٧) النهاية : ٣ / ٢٣٣ ، وفيه : سوقا.

(٨) وفي اللسان : العزوم ، والعوزم ، والعوزمة : الناقة المسنة.

(٩) ٢٣ / ص : ٣٨.

(١٠) ٣٧ / المعارج : ٧٠.

(١١) يعني : عزين.

٨٨

كلّ جماعة اعتزاؤها واحد. وقيل : هي الجماعات في تفرقة ، وأصلها من عزوته فاعتزى ، أي نسبته فانتسب ، فكأنّهم الجماعة المنتسب بعضهم إلى بعض إمّا في الولادة وإمّا في المصاهرة ، ومنه الاعتزاء في الحرب. وفي الحديث : «من تعزّى بعزاء الجاهلية فأعضّوه على هن أبيه ولا تكنوا» (١) يعني : من انتسب نسب الجاهلية فقولوا له : اعضض بظر أمّك. وقيل : هو من قولهم : عزى عزاء فهو عز : إذا صبر ، وتعزّى : تصبّر. قيل : فعلى هذا كأنها اسم للجماعة يتأسّى بعضهم ببعض.

فصل العين والسين

ع س ع س :

قوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ)(٢) أي أقبل وأدبر ؛ فهو من الأضداد وذلك في مبدأ الليل ومنتهاه. والعسعسة والعساس : رقة الظلام وذلك في طرفي الليل. وقال بعضهم : إنه ليس من الأضداد ، بل لأنّ بينهما قدرا مشتركا. وإليه نحا الهرويّ وغيره ، وقال : والمعنيان يرجعان إلى معنى واحد وهو ابتداء الظلام في أوله وإدباره في آخره. ويقال : رجل عاس وعسّاس لمن يتعسّس بالليل ، والجمع العسس. ومن ثمّ قالوا : كلب عسّ خير من أسد ربض ، أي كلب يطلب صيده وقوته ليلا خير من أسد لا يطلب رزقه. والعسوس من النساء : المتعاطية للزينة بالليل. والعسّ : قدح ضخم ، وجمعه عساس.

ع س ر :

قوله تعالى : (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً)(٣) العسر : الإضافة في المال ، يقال : عسر يعسر إعسارا فهو معسر ، أي افتقر. والعسرة : نقيض اليسرة. وتعاسر القوم : تحرّوا تعسير الأمر

__________________

(١) النهاية : ٣ / ٢٣٣.

(٢) ١٧ / التكوير : ٨١.

(٣) ٦ / الشرح : ٩٤.

٨٩

قال تعالى : (وَإِنْ تَعاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرى)(١). قوله : (فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ عَلَى الْكافِرِينَ)(٢) أي لا يتيسّر فيه أمر. وعسّرني الرجل : طالبني حين العسرة. وروي عن ابن مسعود ، وقيل : عن ابن عباس : «أنه لما قرأها قال : لن يغلب عسر يسرين» (٣) قلت : قال الفراء وغيره : العرب إذا ذكرت نكرة ثم أعادتها بنكرة مثلها صارتا ثنتين ، وإذا أعادتها بمعرفة فهي هي. تقول : إذا كسبت درهما فأنفق درهما. فالثاني غير الأول وتقول : إذا كسبت درهما فأنفق الدرهم ، فالثاني هو الأول بعينه. فهذا معنى قول ابن مسعود لأنّ الله تعالى لما ذكر العسر ثم أعاده بالألف واللام علمت العرب أنه هو. ولما ذكر يسرا بلا ألف ولام ثم أعاده بغير ألف ولام علموا أن الثاني غير الأول. وفي حديث رافع بن سالم : «وفينا قوم عسران» (٤) هو جمع أعسر نحو أعور وعوران وأعمى وعميان. والأعسر أشدّ رميا من غيره.

ع س ل :

قوله تعالى : (وَأَنْهارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى)(٥). العسل معروف وهو ما يمجّه هذا الطير المعروف الذي ألهمه الله تعالى ذلك. يقال إنه يمتصّ النّدى الذي ينزل من السماء ثم يمجّه من فيه لا من دبره ، والشمع الذي فيه ليس من بطنه وإنما هو حدّه في رجليه ، ويبني به بيوتا مسدّسة يكون فيها العسل. حدّثنا بذلك جماعة ممّن يربّون النحل ويسافرون به برا وبحرا (٦). فسبحان من أعطى كلّ شيء خلقه ثم هدى (٧). ولما ذكرنا من كون النحل ـ يمجّ (٨) مجّا لا أنه يروثه من دبره ، قال ابن الروميّ منبها في ذلك : [من البسيط]

في زخرف القول تزيين لباطله

والحقّ قد يعتريه سوء تغيير

__________________

(١) ٦ / الطلاق : ٦٥.

(٢) ٩ و ١٠ المدثر : ٧٤.

(٣) وحدده ابن الأثير في ابن مسعود (النهاية : ٣ / ٢٣٥).

(٤) النهاية : ٣ / ٢٣٦.

(٥) ١٥ / محمد : ٤٧.

(٦) أنظر حياة الحيوان : ٢ / ٥٩٨ ـ ٦١١.

(٧) من الآية : (قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) (٥٠ / طه : ٢٠).

(٨) في ح : يمج النحل ، فأسقطناها لتكرارها.

٩٠

تقول : هذا مجاج النحل تمدحه

وإن ذممت فقل قيء الزّنابير

والجمع أعسال. وقال بعض أهل اللغة : العسل لعاب النحل وهو موافق لما ذكرناه. وقوله عليه الصلاة والسّلام : «لا حتّى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك» (١) كنّى عن لذّة الجماع وحلاوته بذلك. ويقال : كانوا في لحمه وسده (٢) وعسله. والمراد الكناية عن طيب ما كانوا وإن لم يكن ثمّ شيء ممّا ذكر ، وإنما أنّث ؛ قيل : لأنه أراد النّطفة فأنّث الكناية لأنّ المكنّى عنه مؤنث. قيل : العسل يذكّر ويؤنث ؛ فمن أنّثه يقول : العسل شريتها وشربتها. وقال : عسيلة (٣). وقيل : لأنّه أراد قطعة من العسل وإذا فعلوا ذلك فيما لا يتفاضل قطعا نحو قوله : الثّديّة وذو الثّدية يريدون قطعة من الثّدي ، فإن يفعلوا ذلك فيما يتفاضل أولى. والعسلان والسّيلان : ضرب من السّير ، وأصله من عسلان الرمح : وهو اهتزاز كعوبه واضطرابها. وأكثر ما يستعمل العسلان في الذئب (٤) قال الشاعر (٥) : [من الكامل]

لدن بهزّ الكفّ يعسل متنه

فيه ، كما عسل الطّريق الثعلب

وقيل : العسلان : اهتزاز الأعضاء في العدو والسّير ، فأطلق على السّير عسلانا مجازا. وفي الحديث : «إذا أراد الله بعبد خيرا عسله. قيل : وما عسله يا رسول الله؟ قال : يفتح الله له عملا صالحا بين يدي موته حتى يرضى عنه من حوله» (٦). قال ابن الأعرابيّ : العسل : طيب الثناء. وفي حديث آخر : «إذا أراد الله بعبد خيرا عسّله في الناس» (٧) أي طيّب ثناءه. قال القتيبيّ : أراه مأخوذا من العسل ؛ شبّه العمل الصالح الذي يفتح له بالعسل. وقال أبو بكر : هذا مثل أي وفّقه الله تعالى لعمل صالح يتحفه به كما يتحف الرجل أخاه إذا أطعمه العسل.

__________________

(١) النهاية : ٣ / ٢٣٧ ، قاله لامرأة رفاعة القرظي.

(٢) وفي اللسان : لبنه.

(٣) يعني في تصغيرها.

(٤) يعني عدوه.

(٥) البيت لساعدة بن جؤية (اللسان ـ مادة عسل وجمهرة اللغة : ٣ / ٣٢).

(٦) النهاية : ٣ / ٢٣٧.

(٧) النهاية : ٣ / ٢٣٧.

٩١

ع س ي :

قوله تعالى : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ)(١) هذه وإن كانت في الأصل للترجّي فهي هنا للإيجاب ، كأنه قيل : ربّكم يرحمكم. وقال سيبويه : عسى ولعلّ من الله إيجاب ، أي لا يراد بهما الترجّي ولا الإشفاق ، لأنّ ذلك محال في حقّ الباري تعالى. وأما الحذّاق غيره فقد قالوا : هما على بابهما ، ولكن ليس بالنسبة إلى الباري تعالى بل إلى الناس ؛ فقالوا في قوله تعالى : (فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ)(٢) أي اذهبا إليه ، على الرجاء والطمع منكما في ذلك. كما قيل في قوله : (بَلْ عَجِبْتَ)(٣) فيمن قرأ بالضم (٤). قال الراغب (٥) : عسى : طمع وترجّ. وكثير من المفسرين فسّروا عسى ولعلّ في القرآن باللازم فقالوا : إنّ الطمع والرجاء لا يصحّان (٦) من الله. قال : وفي هذا قصور نظر ، وذلك أنّ الله تعالى إذا ذكر ذلك [يذكره](٧) تذكرة ليكون الإنسان منه على رجاء لا أن يكون هو تعالى راجيا. قال تعالى : (عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ)(٨) أي كونوا راجين ذلك. وعسى فعل لا يتصرف ، خرج عن حقيقته من المضيّ إلى الإنشاء ، وهو ناقص ككان إلا أنّ خبره لا يكون في الأمر العامّ إلا مضارعا مقترنا بأن كقوله تعالى : (فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ)(٩). ولم يرد التنزيل إلا عليه. وقد ورد اسما مفردا كقول الشاعر (١٠) : [من الرجز]

أكثرت في العدل ملجأ دائما

لا تكثرن أنّي عسيت صائما

__________________

(١) ٨ / الإسراء : ١٧.

(٢) ٤٤ / طه : ٢٠.

(٣) ١٢ / الصافات : ٣٧.

(٤) قرأها بالضم : حمزة والكسائي وخلف (معاني القرآن للفراء : ٢ / ٣٨٤).

(٥) المفردات : ٣٣٥.

(٦) وفي ح : لا يصح.

(٧) إضافة المحقق للسياق.

(٨) ١٢٩ / الأعراف : ٧.

(٩) ٥٢ / المائدة : ٥.

(١٠) نسب قوم البيت إلى رؤبة وقال البغدادي : «ولم أجده في ديوان رجزه» وهو من شواهد ابن يعيش في شرح المفصل : ٧ / ١٤.

٩٢

وقالت الزبّاء : «عسى الغوير أبؤسا» (١) فأرسلتها مثلا. وقد ورد المضارع بعدها مجردا من أن ، حملا على كاد في قول الشاعر (٢) : [من الطويل]

عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر

بمنهمر جون الرّباب سكوب

ويجوز كسر سينها إذا أسندت إلى متكلم أو مخاطب أو نون إناث ، وبها قرأ ابن نافع : «فهل عسيتم» (٣). ولها أحكام كثيرة حرّرناها في كتبنا النحوية. وأما عسي العود يعسو عسوّا : إذا صلب ، ففعل متصرف وليس من هذا الباب. والمعسيات : الإبل المنقطع (٤) فيرجى عوده.

فصل العين والشين

ع ش ر :

قوله تعالى : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ)(٥) العشرة : عقد من العدد معروف ، وهي ثاني العقود الأربعة ؛ فإنّ أصول العد آحاد وعشرات ومئون وألوف. وقوله : (كامِلَةٌ) يعني في الثواب. ويقال : عشرتهم أعشرهم : أخذت عشرهم. وأعشرهم ـ بالكسر ـ صرت عاشرهم. وعشّرتهم ـ بالتشديد ـ صيرّت مالهم عشرة. وقال ابن عرفة في قوله : (تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ) مذهب العرب إذا ذكروا عددين أن يحملوهما. وأنشد للنابغة (٦) : [من الطويل]

توهّمت آيات لها فعرفتها

لستّة أعوام وذا العام سابع

__________________

(١) المستقصى : ٢ / ١٦١.

(٢) البيت لسماعة بن أسول النعامي (اللسان ـ مادة عسا).

(٣) ٢٢ / محمد : ٤٧.

(٤) يعني : المنقطع لبنها. ومفردها المعسية. يقول ابن منظور : الناقة التي يشكّ فيها أبها لبن أم لا (اللسان ـ مادة عسا).

(٥) ١٩٦ / البقرة : ٢.

(٦) الديوان : ٤٣ ، وفي الأصل : العام عاشر! وهو خلط لا رواية للبيت توافقه.

٩٣

وأنشد للفرزدق (١) : [من الوافر]

ثلاث واثنتان فهنّ خمس

وسادسة تميل إلى الشّمام

وقال الشاعر أيضا (٢) : [من الوافر]

فسرت إليهم عشرين شهرا

وأربعة فذلك جمّتان

قال : وإنّما تفعل العرب ذلك لقلّة الحساب فيهم. وقال الأعشى : [من الوافر]

ثلاث بالغداة فهنّ حسبي

وستّ حين يدركني العشاء

فذلك تسعة في اليوم ربّي

وشرب الماء فوق الريّ داء

وقال المبرد : في الكلام تقديم وتأخير ، والتقدير : فتلك عشرة ؛ ثلاثة في الحجّ وسبعة إذا رجعتم. وقيل : عشرة توطئة. ومثله : زيد رجل صالح ، وفيه أقوال أخر حرّرناها في «الدرّ» و «القول الوجيز» فعليك بها. قوله تعالى : (وَإِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ)(٣) العشار (٤) جمع عشراء (٥) وهي الناقة الحامل يكون ولدها في بطنها ، وهي أنفس أموال العرب (٦). وقيل : هي التي تضع لتمام سنة من يوم حملت ، وهي أحسن ما تكون ، فلا يعطلونها إلا لأمر شديد. وقيل : العشراء : هي التي مرّ على حملها عشرة أشهر ، وهو اشتقاق واضح.

قوله : (وَما بَلَغُوا مِعْشارَ ما آتَيْناهُمْ)(٧) أي عشر. يقال : معشار الدرهم وعشره بمعنى ، والمعنى أن هؤلاء لم يبلغوا عشر ما أعطى أولئك. قوله : (وَعاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)(٨) أي صاحبوهنّ ؛ يقال : عاشرته ، أي صحبته ، وأصله من العشيرة ، وذلك أن العشيرة هم أهل الرجل الذين يتكثّر بهم ، أي يصيرون له بمنزلة العدد الكامل ؛ وذلك أنّ

__________________

(١) الديوان : ٨٣٥ ، وفيه : ثلاث واثنتين! وفي اللسان : تميل إلى السهام.

(٢) اللسان ـ مادة عشر ، من غير عزو.

(٣) ٤ / التكوير : ٨١.

(٤) ساقطة من الأصل ، والنقل من م.

(٥) في الأصل : عشر ، وهو وهم.

(٦) وهي الناقة العشراء.

(٧) ٤٥ / سبأ : ٣٤.

(٨) ١٩ / النساء : ٤.

٩٤

العشرة هي العدد الكامل ، فصارت العشيرة اسما لكلّ جماعة من أقارب الرجل يتكثّر بهم. قوله : (وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ)(١). العشير : المعاشر قريبا كان أو بعيدا ؛ وفعيل يكون بمعنى مفاعل كثيرا نحو : الجليس والخليط. والعشر من أظماء الإبل كالخمس. وإبل عواشر وقدح أعشار ، وبرمة (٢) أعشار ، أي منكسر. وأصله أن يكون على عشرة أقطاع ، ويستعار ذلك في القلب ونحوه ؛ قال امرؤ القيس (٣) : [من الطويل]

وما ذرّفت عيناك إلا لتضربي

بسهميك في أعشار قلب مقتّل

ثم صار ذلك لكلّ منكسر وإن لم يكن على عشرة ، ووجه الجمع وإن كان الموصوف مفردا من حيث إنهم جعلوا كلّ جزء بمنزلة الكامل كقولهم : ثوب أسمال وأخلاق. وجاؤوا عشارى أي عشرة عشرة. والتّعشير : نهيق الحمار عشرة أصوات. وثوب عشاريّ : طوله عشرة أذرع.

ع ش و :

قوله تعالى : (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ)(٤) أي يعرض. يقال : عشا يعشو فتارة تكون بمعنى يقصد فيتعدّى بإلى ، وتارة بمعنى أعرض فيتعدّى بعن ؛ قال الشاعر (٥) : [من الطويل]

متى تأته تعشو إلى ضوء ناره

تجد خير نار عندها خير موقد

وقد أنكر القتيبيّ : عشوت عن الشيء بمعنى أعرضت. قال : وإنما الصواب تعاشيت ، والأول قول ابن الهيثم وهو المرجّح عند أهل العلم. وقرىء (يَعْشُ)(٦) من

__________________

(١) ١٣ / الحج : ٢٢.

(٢) البرمة : ثمرة الطلح أو ثمرة الأراك.

(٣) من معلقته ، الديوان : ٣٢. الأعشار : القطع. المقتل : المذلل.

(٤) ٣٦ / الزخرف : ٤٣.

(٥) من أبيات الحطيئة المشهورة ، كتاب سيبويه : ٣ / ٨٦.

(٦) يريد : يعمى عنه. هي قراءة يحيى بن سلام البصري (البحر المحيط : ٨ / ١٦. وانظر : الطبري : ٢٥ / ٣٩).

٩٥

عشي يعشى بمعنى عمي فلا يبصر ليلا. ومنه الرجل الأعشى : وهو الذي ضعف بصره فلا يبصر ليلا فهو خير من الأعمى. وامرأة عشواء. والعشا : ظلمة تعرض في العين. ويقال : هو يخبط خبط عشواء ، أي لا يدري وجه الصّواب قولا ولا فعلا. وأصله أنّ الناقة التي تسير وبها العشا (١) ترمي بنفسها وتخبط بقوائمها من غير أن ترى ما يضرّها ولا ما ينفعها قال زهير (٢) : [من الطويل]

رأيت المنايا خبط عشواء من تصب

تمته ، ومن تخطىء يعمّر فيهرم

والعواشي جمع عاشية وهي الإبل ترعى ليلا. وفي المثل : «العاشية تهيّج الآبية» (٣) ويقال : عشوت النار ـ متعديا بنفسه ـ أي قصدتها (٤). فلما ضمن معناه تعدّى تعديته.

ع ش ي :

قوله تعالى : (بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ)(٥) قيل : العشيّ : ما بعد زوال الشمس إلى غروبها (٦). ومن ثمّ قالوا لصلاتي الظّهر والعصر : صلاتا العشيّ. ومنه حديث أبي هريرة رضي الله عنه : «صلّى بنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وسلم صلاتي العشاء» (٧) وقيل : العشاء : من الزوال إلى الفجر. وقال أبو عبيد : العشاءان (٨) : المغرب والعشاء إنما غلّبوا كالأبوين (٩). وقد شهدت المغرب في تصغير عشيّة وعشاء فقال : عشيشية. وفي الحديث : «فأتينا ببطن كديد

__________________

(١) كلمة غير واضحة في الأصل ، وغير موجودة في م. ولا ضرورة لها مطلقا.

(٢) شعر زهير : ٢٥ ، من المعلقة.

(٣) ليس في كتب الأمثال ، وهو في اللسان. وفي الأصل : العاتية ، والتصويب من اللسان والمفردات : ٣٣٦.

(٤) يعني ليلا.

(٥) ٤١ / آل عمران : ٣.

(٦) أبو الهيثم : إذا زالت الشمس دعي ذلك الوقت العشيّ فتحوّل الظل شرقيا وتحولت الشمس غربية (اللسان ـ عشا). بينما الراغب : العشيّ : من زوال الشمس إلى الصباح (المفردات : ٣٣٥). وهو وهم.

(٧) وفي النهاية (٣ / ٢٤٢): « .. إحدى صلاتي العشيّ ..» وكذا في اللسان ـ عشا.

(٨) سقط من الأصل لفظة «العشاء» وبقي الألف والنون ، فاستدركناها من النسخة م.

(٩) ومثله كثير في العربية ، وانظر باب التغليب في مغني اللبيب.

٩٦

عشيشية» (١). وعشا قيل : أبدل من الياء الوسطى شين. وسأل رجل ابن عمر فقال : «كما لا ينفع مع الشرك (٢) عمل هل يضرّ مع الإيمان (٣) ذنب؟ فقال عبد الله : عشّ ولا تغترّ». فسّر أبو عبيد هذا المثل فقال : أصله أن رجلا أراد قطع مفازة متّكلا على كلئها ، فقيل له : عش ـ أي عشّ إبلك ـ ولا تغترّ بالكلأ الذي في البرية رعيا لإبلك ؛ فإنك إن صادفت كلأ فكان خيرا على خير ، وإن لم تصادفه فقد أخذت بالأحوط لنفسك. فقال له ابن عمر : اجتنب الذنوب ولا تتّكل في ارتكابها على إسلامك وفي حديث : «فاعتشى أول الليل» (٤) قيل : معناه : سار وقت العشاء ، كما يقال : استحر وابتكر ، أي خرج سحرة وبكرة. قال الأزهريّ : صوابه فأغفى. وفي حديث : «احمدوا الله الذي رفع عنكم العشوة» (٥) العشوة والعشوة : ظلمة الليل ، وأصله من قولهم : أوطأته العشوة ، أي حملته على أمر ارتكبه بجهل بمنزلة من عشي في ظلمة ، فلا يدري كيف يضع قدمه حتى لا تقع في مهواة.

قوله : (وَجاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ)(٦) يعني آخر النهار. وقيل : العشاء صلاة المغرب إلى العتمة. وقيل : العشاء بالفتح طعام العشاء ، كالغداء طعام الغداة. ويقال : تعشّ ، أي كل عشاءك في هذا الوقت. قال الشاعر (٧) : [من الطويل]

تعشّ فإن عاهدتني لا تخونني

نكن مثل من يا ذئب يصطحبان

__________________

(١) النهاية : ٣ / ٢٤٣ ، وعشيشية : تصغير عشية على غير قياس. كأن أصلها عشيّية.

(٢) غير مذكورة في الأصل ، ومذكورة في النسخة م والنهاية : ٣ / ٢٤٢.

(٣) كذا عن الهروي والأصل ، وعند النهاية : الإسلام.

(٤) النهاية : ٣ / ٢٤٢ ، وفيه : « ... في أول».

(٥) النهاية : ٣ / ٢٤٢.

(٦) ١٦ / يوسف : ١٢.

(٧) البيت للفرزدق في وصف الذئب (الديوان : ٨٧٠) ، وفيه وفي معاني القرآن (٢ / ١١١) : واثقتني.

٩٧

فصل العين والصاد

ع ص ب :

(هذا يَوْمٌ عَصِيبٌ)(١) أي شديد ، وأصله من العصب وهو أطناب المفاصل والعروق. والمعصوب : المشدود بالعصب ، فقيل لكلّ شديد : عصيب. ويحتمل أن يكون فعيلا بمعنى فاعل ، وأن يكون بمعنى مفعول كأنه قد شدّ وقوي. وقيل : بمعنى أنه مجموع الأطراف نحو قولهم : يوم ككفّة حابل وحلقة خاتم. وفلان معصوب الخلق ، أي مدمجه شديده (٢). ومن ذلك العصبة : وهي الجماعة الذين يتعصّبون لبعضهم ، أي يتقوّى بعضهم ببعض ؛ فهم [جماعة](٣) متعصّبة متعاضدة. ومنه قوله تعالى : (لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ)(٤). وقوله : (وَنَحْنُ عُصْبَةٌ)(٥) أي مجتمعة أقوياء.

واعصوصب القوم : صاروا عصبا. وعصبوا بفلان أمرا. وعصب الريق بفيه ، أي يبس فكأنه بمنزلة العصب. والعصب : ضرب من برود اليمن قد عصبت به نقوش. ومنه قول الشاعر (٦) : [من المنسرح]

يوما تراها كشبه أردية ال

عصب ويوما أديمها نغلا

والعصابة : ما يعصب بها الرأس ، أي يشدّ. والعصوب : الناقة التي لا تدرّ حتى تعصب. والعصيب في بطون الحيوان لكونه معصوبا أي مطوياّ. والعصابة أيضا : الجماعة

__________________

(١) ٧٧ / هود : ١١.

(٢) يريد : مدمج الخلقة.

(٣) إضافة يقتضيها السياق.

(٤) ٧٦ / القصص : ٢٨.

(٥) ٨ / يوسف ، ١٢ ، وغيرها.

(٦) البيت للأعشى (الديوان : ٢٣٣) وفيه : أردية الخمس. وعلى رواية العصب من شواهد اللغويين. نغل الأديم : فسد في الدباغ.

٩٨

من الناس لأنهم تعصب بهم الأمور. ومنه قولهم : اغفر لنا أيتها العصابة. وقيل : العصبة والعصابة واحد. وقال غيره : هي من العشرة إلى الأربعين. والعصبة أيضا : نبات يتلوّى وينطوي على الشجر وهو اللّبلاب. ولما أقبل الزبير نحو البصرة سئل عن وجهه فأنشد : [من الرجز]

علقتهم إني خلقت عصبه

قتادة تعلّقت بنشبه

قال شمر : بلغني أنّ العرب تقول (١) : [من الرجز]

غلقتهم إني خلقت نشبه

قتادة ملويّة بعصبه

والنّشبة من الرجال : إذا تعلّق بشيء لم يكد (٢) يفارقه. وفي المثل : «لا تعصب سلماته» (٣) يقال للرجل الذي لا يقهر ولا يستذلّ. ومنه قول الحجاج لأهل العراق : «لأعصبنّكم عصب السّلمة» (٤) السّلمة : شجرة يدبغ بورقها يعسر خرطه ، فتعصب أغصانها بحبل ونحوه ، أي تجمع بحبل وتخبط بعصا فيتناثر ورقها. وأصل العصب الليّ (٥). وفي حديث عبد الله بن أبيّ : «فقد كان أهل هذه البحيرة اصطلحوا على أن يعصّبوه» (٦) أي يسوّدوه ويعصّبوه بالعصابة. ويسمون السيد معصّبا لأنه يعصب بالتّاج أو تعصّب به أمور الناس. ويقال له أيضا : المعمّم. والعمائم : تيجان العرب وهي العصائب.

__________________

(١) النصان في اللسان مع الخبر ـ مادة عصب. ورواية اللسان في الثاني بتبديل نشبه وبعصبه.

(٢) الكلمة مذكورة في م فقط.

(٣) وتمامه في اللسان : «فلان لا ...» ، وفي المستقصى (٤ / ٢٥٧) على رواية الأصل ، وفيه يضرب للعزيز الذي لا يقهر.

(٤) النهاية : ٣ / ٢٤٤.

(٥) الليّ والفتل.

(٦) النهاية : ٣ / ٢٤٤.

٩٩

ع ص ر :

قوله تعالى : (وَأَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ)(١) هي السحاب لأنها تعتصر المطر ، أي تعضّ به. وقيل : هي السحاب التي تأتي بالإعصار وهي الريح التي تثير الغبار. وقيل : هي الرياح لأنها تعصر السحاب فينزل منها المطر وهو مرويّ عن ابن عباس. قال الهرويّ : وإذا فسر بهذا التفسير كانت بمعنى الباء (٢). والمعصر من النساء : أول ما تحيض. قال الهرويّ : لاعتصار رحمها. وقال غيره (٣) : هي التي حاضت ودخلت في عصر شبابها. وقال عمر بن أبي ربيعة (٤) : [من الطويل]

وكان مجنّي دون من كنت أتقي

ثلاث شخوص : كاعبان ومعصر

الكاعب : من كعب ثديها. قوله تعالى : (وَفِيهِ يَعْصِرُونَ)(٥) أي يعصرون الزّيت من الزيتون. وقيل : معناه ينجون من الجدب ويعتصمون بالخصب. والعصرة : الملجأ ، والمعصّر والمعتصر كذلك ؛ يقال : هذا عصره ومعتصره. واعتصرت به ، أي لجأت إليه. والمعصر (٦) : الذي يأخذ من الشيء عصارته. والعصارة : نفاية ما يعصر. وقرىء (يَعْصِرُونَ)(٧) على ما لم يسمّ فاعله ، أي يمطرون. يقال : أعصر القوم ، أي أمطروا. وفي حديث عمر : «يعتصر الوالد على ولده» (٨) أي يحبسه عن الإعطاء ويمنعه. كلّ شيء حبسته ومنعته إياه فقد اعتصرته. وعن ابن الأعرابيّ : يعتصر أي يرتجع. وفي حديث القاسم بن مخيمرة : «أنه سئل عن العصرة للمرأة فقال : لا أعلم رخّص فيها إلا للشيخ المعقوف» (٩) قال ابن الأعرابيّ : العصرة هنا : منع البنت من التّزويج. يقال : اعتصر فلان

__________________

(١) ١٤ / النبأ : ٧٨.

(٢) يعني : كأنه قال : وأنزلنا بالمعصرات ، والباء زائدة للسببية وليست للتعدية.

(٣) والكلام مذكور في المفردات : ٣٣٦.

(٤) الأغاني : ١ / ٨٣.

(٥) ٤٩ / يوسف : ١٢.

(٦) وفي اللسان : المعتصر.

(٧) قال الأزهري : ما علمت أحدا من القراء المشهورين قرأ (يَعْصِرُونَ) ، ولا أدري من أين جاء به الليث. وقال ابن خالويه : هي قراءة عيسى والأعرج (مختصر الشواذ : ٦٤).

(٨) النهاية : ٣ / ٢٤٧. وقال ابن الأثير : وإنما عدّاه بعلى لأنه في معنى : يرجع عليه ويعود عليه.

(٩) النهاية : ٣ / ٢٤٧. والمعنى : أن للشيخ الكبير الأعقف ألا يزوج ابنته اضطرارا لخدمته.

١٠٠